كرش متدلٍّ لا يمكن تشبيهه ببطن امرأة حامل تكاد أن تنهي شهرها التاسع بحملها وأشرفت على وضع مولودها لأنّ أمراً كهذا فيه ظلم للمشبّه به دون أيّ شكّ. ورجل شهيته مفتوحة يلتهم كلّ ما يقدّم له من طعام ولا يحرم نفسه من شيء بادّعائه أنّ مَن يحرم نفسه في دنيا زائلة يُحرم أيضاً في الآخرة. قال له أحد أصدقائه ذات يوم: "إنّي أشتهي أن تخفّف من كميّة طعامك، وتقلّل من مساحة كرشك، كي تبدو رشيقاً وتمنع الأمراض من غزو جسدك؛ لأنّ المعدة بيت الداء كما يقولون". أمّا زوجته فلطالما ذهبت به إلى أبعد من ذلك واشترطت عليه إنْ لم يجرِ عمليةً جراحية للتقليل من حجم معدته ولم يداوم على حلق ذقنه كلّ يوم وتعطير نفسه ولبس ما يليق بالرجال في هذا العصر، فإنّها حتماً ستنبذه وتطلب الطلاق منه أو خلعه أمام القاضي.. ألا يكفيها منه شخيره اللّيلي يؤرّق القلب، ونخيرٌ نهاريٌّ يغيظ النفس، وتجشّؤه مقزِّزٌ يتفجر كالبركان بعد تناوله وجبة الطعام؟ هذا أقلّ ما يمكن فعله.. ولكنّه لم يأبه لتهديداتها ولا لشروطها التي اعتاد على سماعها منذ زمن طويل، وقد اعتبرها بأنّها فتافيت خبز وفقاعات هواء فارغة.. واتهامه بعدم القدرة على الإنجاب إنّما هي زوبعة في فنجان، ثم إنّ الإنجاب ليس شرطاً من شروط سعادة الأسرة، ها هم في بلاد الغرب كلّهم لا ينجبون. وفي الغرب كلّ مواطن له عقل يفكر به. ولكن على الناس في الشرق أن يطيعوا أولي الأمر منهم ولكلّ مواطن شيخ يفكر عنه.. والناس يقولون: هذا مسكين لا ينجب! فليقولوا ما يقولونه، ثمّ إنّها حياته وليست حياتهم.. وتكفيه زيارتان للطبيب من أجل الإنجاب لا أكثر.. حاولت إقناعه مرات كثيرة لزيارة الطبيب باستمرار حتى يثبت الحمل إلّا أنّ محاولاتها لم تكلل بالنجاح.
كان خميساً من بدايته عابساً بنظراته.. تطلّعاته تثير أعصابها.. وإيقاف شرطة السّير سيارة أختها يوم أمس، لحظة خروجهما من القرية في طريقهما إلى مدينة نابلس، وتحرير مخالفة مزعجة هو انتكاسة غير متوقّعة بتاتاً.. توسُّلات أطفال لها عند توقف السيارة أمام الإشارة كي تشتريا شيئاً مما يحملونه، حرّكت فيها مشاعر إحساس قويّة بالشفقة. أصوات الباعة في الخان.. في سوق الخضار.. على الأرصفة المحيطة بالدوّار، كانت كألوان لوحة فنية رسمتها يد فنان مزج فيها بين الماضي والحاضر.. لكنّ الحاجز العسكري والشرطية التي احتجزت بطاقتيهما وأمرتهما بالانعطاف نحو اليمين إلى نقطة تفتيش السيارات، كانت كعظام سمكة عَلِقت في الحلق. ثمّ يكفيهما عناء السفر.
التطبيقات الجديدة في هاتف ذكيّ كالذي تمسكه في يدها، أشغلتها عن كثير من أعمال كانت تقوم بها في المنزل. أيُّ نظام جديد للحياة خلقته الهواتف الذكية.. رسائل واتس أب!! مكالمات فايبر مجانية!! فيس بوك!! أصبحنا عبيداً لهذه الأجهزة الملعونة.. مَن التي ترسل لي الآن؟ مزاجي لم يرق لي بعد.
"كيفك يا "سماح"؟ إنشالله إنّك بخير؟ تمام والله يا "لطفية" نحمد الله. شكلك زعلانة عشان جوزك؟ ماله جوزي!؟؟ صارله شي؟ لا بس بقولوا إنّه متزوج وحده روسية. شووووووووووووووووووووووو؟؟؟؟في اللحظة التي سبقت انطلاق الصفارات الهاتفية نحو المشرق والمغرب كي تتأكد من صحّة الخبر قبل أن تتّخذ الإجراءات اللازمة، أدركت أسباب تغيّره.. "آهاااا" لهذا السبب أقدم على صبغ شعره.. "آهاااا" هذا هو السبب الذي جعله يتهندم ويتعطّر باستمرار، "آهاااا" وهو نفس السبب الذي جعله يقلّل من وزنه في المدة الأخيرة!!!
أختها "إيناس" نصحتها أن تلقي بملابسه في الشارع كي تتخلص منه. وجارتها "عبلة" نصحتها أن تغيّر قفل الباب حتى لا يرجع إلى البيت. أما صديقتها "علياء" فقالت لها: "الله وكيلك! ما من رجل تزوّج من روسية أو يهودية إلّا وصارت حياته مثل الجحيم.
ما من قصّة حبّ إلّا وتبدأ بنظرة أو ضحكة أو كلمة ثم إعجاب. وكلّ ما يعرفه عن "أولغا" أنّها تزوّجت من تاجرٍ بخيلٍ ثم حدث الانفصال بعد خمس سنوات، علمانية أباً عن جدّ، ولا يهمّها أيّ دين يدين به الآخرون ولا إلى أي قومية هم ينتمون، المهم أن تكون تحت رعاية رجل ينفق عليها باستمرار. تجيد العزف على "ساكسوفونية" متوسطة الحجم اشترتها أثناء رحلتها إلى "بلجيكا"، وشغوفة بالتنزه. إذ رآها وهي تتنزه مع كلبها الصغير "خومي" في الحديقة الكبيرة القريبة من ميناء "تل أبيب"، وراح يتحدث معها ويلاطف كلبها الصغير بحجة إعجابه الشديد به.. عزفها على "الساكسوفونيّة" وتعطّشها للجنس أغفلا قلبه عن غيره سريعاً.
الحديث والاعتراف والاستدلال المنطقي من لبّ المصدر، كلّها أمورٌ لا يمكن أن تطفئ غضب امرأة أشعلته خطيئة رجل وصبّت عليه النسوة كلاماً سريع الاشتعال. ولكنّ إلقاء الملابس في الشارع أمام أعين الجيران المترقبة عيونهم والمتلهفين لاسترقاق السمع وخطف الأخبار، كان أهون عليه من إشاعتها خبر القبض عليه متلبساً بشبهة التحرش جنسياً بامرأة تعمل معه في مكتب واحد. لا شكّ أنّ هذا رهان خاسر.. نحن لا نعيش في مصر ولا في الهند، ولا في لبنان، فمن يُقبض عليه في هذا البلد وتثبت عليه مثل هذه التهمة، يُحكم عليه بأقسى العقوبة. وإذا كان إيمان الناس بالخرافات سرمدي، فاقرأ عليهم السلام! فأين هم من جسد "أولغا" الناصع، وصوت "ساكسفونيتها" العذب؟
أيعقل أن تحمل هذه "القردة" في ظرف ثلاثة شهور؟؟ ألا يكفيها أنّها أخفت عنه أن طليقها التاجر كان عربياً؟ ومن سكان بلدته؟ وألا يكفيها أنّها أخفت عنه أنّها قد أنجبت منه طفلين وأخفتهما عنه في بيت والدتها في "نهارياً"؟ وألا يكفيه أنّه قد اضطر على مضض للعيش معها ومع ولدين ليسا من صلبه، وصار ينفق عليها وعليهما؟ يجب على "أولغا" أن تجهض حملها حالاً؛ لأنّ الحمل بلا تخطيط قد يفسد للودّ قضية.. لكنّ الصراخ والتحدّي لم يثمرا عملياً سوى جهود فضفاضة. وسيل التهديدات كان غثاء لا فائدة منه. لا "عصا موسى" تستطيع أن تغيّر شيئاً من الواقع الجديد، ولا "قميص يوسف" يستطيع أن يردّ له شيئاً من ماضيه. والحلّ الوحيد هو الانفصال من هذا الانفصام.
قرب باب محكمة "الصلح" وقف إبراهيم متسمّراً مضبوعاً يمعن النظر تارةً في الورقة التي كتب عليها قرار قاضي المحكمة أن يدفع مبلغ ألفاً وثماني مائة شيكل شهرياً للمولود وأُمّه حتى يبلغ الولد الثامنة عشرة، وتارةً أخرى يستقرئ المستقبل في مصير المولود الذي سيكتسب ثقافة الآخرين دون أن يكون له رأي في ذلك. تذكّر ساكسوفونيتها وتمنّى لو ينام كما نام أهل الكهف، ثمّ استيقظ من غفلته وطوى الورقة وسار في طريقه..
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق